مذياع

أوائل سبعينيات القرن الميلادي العشرين -ولأَكُنْ في السابعة مثلا- مررت في قريتنا بشباك مفتوح وفيه مذياع -وكان جدار الشباك من العرض بحيث يتسع له- فدفعت المذياع، فأسقطته عبثا كان يَلذّ لي آنئذ كثيرا؛ فخرج لي صاحب المذياع -ولعلني قطعت عليه شريط الأخبار!- يركض فأركض، وأركض فيركض، حتى استسلم لعجزه! بلغت دار جدي -وكنا في زيارته الصيفية- متقطع الأنفاس ألهث، ففزع لي أبي، ولم يكد حتى دخل علينا المذياع بصاحبه يصخب ويعتب؛ فجذبه منه أبي، وأمسك بيد هاون يريد أن يدقه له بها مثلما يدق الفول للعجول، فمنعه بعض الحاضرين، ولكنه لم يستطع منع كلامه الذي كان أشد من يد الهاون: كيف تركض وراء طفل صغير هذا الركض، كيف تفزعه هذا الإفزاع، ها أنت ذا جئتني، لو كنت جئتني قبل ما فعلت به لأوجبت عليَّ حقك! عفا الله عن أبي في الصالحين! لو اطلع عليّ الآن لرأى كيف أترك طفلي لجماهير الغرباء يحيطون به ويقيدونه ويضربونه والمذياع مذياعه والشباك والجدار والدار!

Related posts

Leave a Comment